هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 فــــي رحاب ابي عبد اللـــــــه الحسين

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
ابجدية الحياة
عضو مبدع
ابجدية الحياة


عدد الرسائل : 174
الموقع : السعودية
تاريخ التسجيل : 04/11/2008

فــــي رحاب ابي عبد اللـــــــه الحسين Empty
مُساهمةموضوع: فــــي رحاب ابي عبد اللـــــــه الحسين   فــــي رحاب ابي عبد اللـــــــه الحسين Icon_minitimeالسبت ديسمبر 27, 2008 3:46 pm

بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المصطفى الأمجد أبي القاسم مـحـمــد .. وعلى آله الطاهرين الميامين وصحبه المنتجبين وعجل فرج قائم آل محمد


القيم الأخلاقية في النهضة الحسينية


محمود العذاري

جاءت الرسالة الإسلامية الخاتمة لهداية الإنسان، وتحريره من جميع ألوان الانحراف في فكره وسلوكه، وتحريره من ضلال الأوهام ومن عبادة الآلهة المصطنعة، وتحريره من الانسياق وراء الشهوات والمطامع، وتهذيب نفسه من بواعث الأنانية والحقد والعدوان، وتحرير سلوكه من الرذيلة والانحطاط.

وقد اختصر رسول الله (صلى الله عليه وآله) الهدف الأساسي من البعثة بقوله المشهور: (إنّما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق).

وقد واصل الأوصياء والأئمة من أهل البيت (عليهم السلام) هذه المهمة لتترجم في الواقع في أعمال وممارسات وعلاقات، ولهذا كانت الأخلاق هي المحور الأساسي في حركاتهم، وقد جسد الإمام الحسين (عليه السلام) في نهضته المباركة المفاهيم والقيم الأخلاقية الصالحة، وضرب لنا وأصحابه وأهل بيته أروع الأمثلة في درجات التكامل الخلقي.

وفيما يلي نستعرض أخلاق النهضة الحسينية المباركة لتكون نبراساً لنا في الحياة:


أولاً: مراعاة حرمة الكعبة

رفض الإمام الحسين (عليه السلام) اللجوء إلى الكعبة لكي لا تستباح حرمتها، وكان يقول لمن طلب منه الالتجاء إليها: (إنّ أبي حدثني أنّ لها كبشاً به تستحل حرمتها فما أحبّ أن أكون أنا ذلك الكبش)(1).

وقال لأخيه محمد بن الحنفية: (يا أخي خفت أن يغتالني يزيد بن معاوية بالحرم فأكون الذي يستباح به حرمة هذا البيت)(2).

وقال لعبد الله بن الزبير: (يا أبن الزبير لأن ادفن بشاطئ الفرات أحبّ إليّ من أن ادفن بفناء الكعبة)(3).


ثانياً: الوفـاء بالعهـود والمواثيق

الوفاء بالعهود والمواثيق من الأخلاق الفاضلة في جميع الأديان إلهية كانت أم وضعية، وقد جسدت النهضة الحسينية هذه القيم الأخلاقية في اشد المواقف خطورة، فبعد اتفاق الإمام الحسين (عليه السلام) مع الحر بن يزيد الرياحي على أن يسايره فلا يعود إلى المدينة ولا يدخل الكوفة طلب منه الطرماح بن عدي أن ينزل قبيلة طي ليلتحق به عشرون ألف طائي فقال له الإمام (عليه السلام): (انّه كان بيننا وبين هؤلاء القوم قول لسنا نقدر معه على الانصراف)(4).

فقد وفّى (عليه السلام) بعهده وان كان قد أفقده عشرين ألف ناصر له وهو بحاجة إلى أي ناصر.


ثالثاً: الرحمة والشفقة على الأعداء

أنّ إتباع الحق يقاتلون من أجل هداية الأعداء إلى المنهج الرباني لتحكيمه في التصور وفي السلوك وفي واقع الحياة، وهم لا يقاتلون انتقاماً لذواتهم وإنّما حبّاً للخير ونصراً للحق، ولذا نجدهم رحماء شفوقين حتى مع أعدائهم ليعودوا إلى رشدهم ويلتحقوا بركب الحق والخير، وقد جسد الإمام الحسين (عليه السلام) وأصحابه أروع ملاحم الإنسانية والرحمة والعطف، ففي طريقة إلى كربلاء التقى بأحد ألوية جيش ابن زياد وكان ألف مقاتل مع خيولهم وكانوا عطاشى، فأمر أتباعه بسقي الجيش وقال لهم: (اسقوا القوم وارووهم من الماء ورشفوا الخيل ترشيفا) وقد سقى الإمام الحسين (عليه السلام) بنفسه ابن طعان المحاربي(5).


رابعاً: الإيثار ونكران الذات

أنكر أتباع الإمام الحسين (عليه السلام) ذواتهم وذابوا في القيادة التي جسدت المنهج الإلهي في واقعها المعايش، فلم يُبقوا لذواتهم أيّ شيء سوى الفوز بالسعادة الأبدية، فكان الإيثار والتفاني من أهم الخصائص التي اختصوا بها.

لما رأوا أنهم لا يقدرون يمنعون الحسين (عليه السلام) ولا أنفسهم تنافسوا أن يقتتلوا بين يديه(6).

وقبل المعركة وصل بُرير ومعه جماعة إلى النهر، فقال لهم حماته ـ بعد أن عجزوا عن قتالهم ـ : اشربوا هنيئاً مريئاً بشرط أن لا يحمل أحد منكم قطرة من الماء للحسين، فكان جوابهم: (ويلكم نشرب الماء هنيئاً والحسين وبنات رسول الله يموتون عطشاً لا كان ذلك أبداً)(7).

وفي شدة العطش رفض العباس (عليه السلام) شرب الماء قبل الإمام الحسين (عليه السلام) وقال:


يا نفس من بعد الحسيـن هوني***وبعده لا كنــــــت أن تكونـــي

هذا حسين وارد المنــــــــــون***وتشربيـــن بــارد المعيـــن(Cool


خامساً:العلاقة بين القائد والأتباع

في كل نهضة هنالك قيادة وطليعة وقاعدة ترتبط بروابط مشتركة من أهداف وبرامج ومواقف، والقيادة دائماً هي القدوة التي تعكس أخلاقها على أتباعها، وفي النهضة الحسينية تجسدت الأخلاق الفاضلة في العلاقات والروابط حيث الإخاء والمحبة والتعاون والود والاحترام بين القائد وأتباعه وبين الأتباع أنفسهم، فالأتباع ارتبطوا بالقيم والمثل ثم ارتبطوا بالقائد الذي جسّدها في فكره وعاطفته وسلوكه، فالأتباع يتلقون الأوامر بقبول ورضى وطمأنينة.

ومن هذه القيم كان الإمام الحسين (عليه السلام) يخاطب حامل لوائه وهو أخاه العباس: (يا عباس اركب بنفسي أنت)(9).

ويخاطب أتباعه قائلاً: (قوموا يا كرام)(10).

ويخاطبهم أيضاً: (صبراً بني الكرام فما الموت إلاّ قنطرة تعبر بكم عن البؤس والضّراء إلى الجنان الواسعة)(11).

ونتيجة لهذا الترابط الروحي بين القائد والأتباع رفض الأتباع أن يتركوا الإمام الحسين (عليه السلام) لوحده بعد أن سمح لهم بالتفرّق عنه، فهذا مسلم بن عوسجة يخاطب الإمام (عليه السلام) قائلاً: (أما والله لو علمت أنّي اقتل ثم أحيى ثم احرق ثم أحيى ثم أذرّى يفعل ذلك بي سبعين مرّة ما فارقتك حتى ألقى حمامي دونك)(12).

وبعد الشهادة كان الإمام (عليه السلام) يقف على جسد جون وهو عبد أسود ويدعو لـه: (اللهمّ بيَّض وجهه وطيّب ريحه)(13).

ويعتنق واضح التركي وهو يجود بنفسه واضعاً خدّه على خدّه(14).


سادسـاً: مواساة القيادة لأتباعها

شارك الإمام الحسين (عليه السلام) أنصاره في السرّاء والضرّاء وفي آمالهم وآلامهم، وعاش في وسطهم يتعرض لما يتعرضون له، ولم يضع فاصلاً بينه وبينهم، فكانت أمواله وأطفاله وعياله معهم يبذلها من اجل الحقّ، وكان لأنصاره وأتباعه أسوة وقدوة وهو القائل: (نفسي مع أنفسكم، وأهلي مع أهليكم فلكم فيّ أسوة)(15).


سابعـاً: مراعاة العواطف والأحاسيس

في ظروف القتال قد ينسى القادة العواطف والأحاسيس ويتعاملون بعقولهم لمعالجة الظروف العصيبة، ولكن الإمام (عليه السلام) راعى العواطف والأحاسيس لذلك، فقد رفض السماح لعمر بن جنادة بالقتال بعد أن استشهد أبوه مراعاة لعواطف أمه، وهو ابن إحدى عشرة سنة، إلى أن علم أنّ أمه هي التي أذنت له ودفعته للقتال(16).


ثامناً: احترام وشائج القربى

احترام الإمام (عليه السلام) وشائج القربى حفاظاً منه على المفاهيم والقيم الأخلاقية التي خرج من أجل تحقيقها في الواقع، فحينما صاح شمر: أين بنو اختنا؟ أين العباس وأخوته، وكانت أمهم من عشيرته، فاعرضوا عنه ولم يجيبوه، فقال لهم الإمام (عليه السلام): (أجيبوه وان كان فاسقاً)(17).


تاسعـاً: صيانـة المرأة

احترم الإمام الحسين (عليه السلام) المرأة ووضعها في مكانها اللائق، ولم يصطحب معه النساء إلاّ لإكمال مسيرة الحركة الإصلاحية لإبلاغ أهدافها عن طريقهن.

والإمام ارجع أم وهب حينما أرادت أن تقاتل، وأرجع أم عمر بن جنادة بعد أن أصابت رجلين(18).

والتزمت النساء بالتعاليم الإسلامية في الحجاب وفي مقابلة المصاب وبالصبر، فلم يشققن جيباً ولم يخمشن وجهاً، ولم يرتفع صراخهنّ أمام الأعداء.


عاشـراً: أخلاقية الإعلام

لم يمارس الإمام الحسين (عليه السلام) الكذب والخداع والتمويه في إعلامه، وإنّما ركز على حقائق معلومة للجميع، فوضّح أهداف حركته وهي إصلاح الواقع، وحينما جاءته الأخبار عن مقتل مسلم بن عقيل لم يخف الأخبار عن أصحابه وإنما اخبرهم بذلك وشجعهم على الانصراف، وكان بين فترة وأخرى يخبرهم انه سيقتل وتسبى حريمه، ولم يخبرهم انه سينتصر عسكرياً.


حادي عشر: رفض البدء بالقتال

القتال نهاية المطاف بعد أن تعجز الوسائل السلمية وبعد أن يصل المسلمون إلى طريق مسدود فإمّا الذل وإمّا العزّ بالدفاع عن القيم والمبادئ الإسلامية.

وقد رفض الإمام الحسين (عليه السلام) البدء بالقتال، ففي طريقه إلى كربلاء قابل أول طلائع الجيش فلو دخل معركة معهم لهزمهم ولكنه رفض البدء بقتالهم وكان جوابه لزهير بن القينما كنت لأبدأهم بقتال)(19).

وفي عاشوراء وقف شمر أمام معسكر الحسين (عليه السلام) وبدأ يكيل السباب والشتم للإمام، فأراد مسلم بن عوسجة أن يرميه بسهم فقال له الإمام (عليه السلام): (لا ترمه فانّي اكره أن ابدأهم)(20).


ومن أخلاق النهضة الحسينية: قبول توبة المخالفين، ورفض الفتك بالأعداء، وعدم استخدام العبارات غير المهذبة حتى مع قادة الحكم الأموي.

وبهذه الأخلاق استطاعت النهضة الحسينية أن تحقق النصر الحقيقي بعد أن أيقن المسلمون أنها نهضة سليمة جاءت لإصلاح الواقع وتغييره بعد أن جسدت هذا الإصلاح وهذا التغيير في سلوكها وأخلاقها.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
ابجدية الحياة
عضو مبدع
ابجدية الحياة


عدد الرسائل : 174
الموقع : السعودية
تاريخ التسجيل : 04/11/2008

فــــي رحاب ابي عبد اللـــــــه الحسين Empty
مُساهمةموضوع: رد: فــــي رحاب ابي عبد اللـــــــه الحسين   فــــي رحاب ابي عبد اللـــــــه الحسين Icon_minitimeالسبت ديسمبر 27, 2008 3:48 pm

كربلاء
من البديهي القول: أن معركة كربلاء وما رافقها من بطولات وتضحيات ومآسٍ تقشعر لها الأبدان، هي التي بلورت إرادة الأمة وعزيمتها باتجاه رفض الظلم ومقاومة الظالمين، وبلورة الأحاسيس الخيرة في الإنسان.

وإن سفر الحياة المفتوح، يعلمنا أن البطولات والتضحيات الإنسانية النبيلة، والتي تتجسد بكل معانيها ومستوياتها في كربلاء الحسين، هي عنوان الحضور والشهود، وهي صناعة للتاريخ وفق مقاييس القيم ومتطلبات المثل العليا.

فالإمام الحسين(ع) بتضحياته، وفعله الاستشهادي في سبيل الله، والإصلاح في أمة المسلمين، قد كرس خطاً جهادياً في مسيرة الأمة، ضد كل مظاهر الزيغ والانحراف والخروج من ضوابط القيم ومتطلبات الاعتقاد الديني؛ لذلك ووفق هذا المنظور فإن الحسين(ع) ضرورة لكل العصور، لما يجسده من قيم ومبادئ ومثل إسلامية عليا.

وعاشوراء الفداء الذي سطر مفرداته ثلة من المؤمنين المخلصين، هو الذي أمسك بدفة التاريخ، وتحكم بشكل أو بآخر في مسار العديد من ظواهر التاريخ الإسلامي بعد معركة الطف.

فعاشوراء مناسبة تاريخية مستمرة، لاستيعاب دروس التضحية والفداء، وهذا الاستيعاب يتم وفق النظرة العميقة والمنهج الدقيق والقصد الشريف. ولا نعدو الصواب حين القول: أنه ليست هناك مناسبة تاريخية في الدائرة الإسلامية، استطاعت أن تثير الوعي والضمير، والفكر والوجدان، باتجاه الخير بكل صوره وأشكاله، مثل مناسبة عاشوراء، واستشهاد الإمام الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام؛ ففي هذه المناسبة التاريخية تنمو نوازع الخير، وتخبو نوازع الشر والطغيان.
وكل ذلك بفعل الزخم العاطفي والتربوي الذي تحدثه هذه المناسبة العظيمة في نفوس أتباع مدرسة أهل البيت(ع)؛ لذلك فإن الإحتفاء بعاشوراء، والاستمرار في إحياء ذكرى الطف وأهوالها، ليس من أجل الانحباس في التاريخ، وإنما من أجل أن تأخذ القيم التي نهض من أجلها الإمام الحسين(ع)، طريقها في راهننا، وتتبوأ موقعها في حياتنا المعاصرة فـ(الإمام الحسين قضيتان.. قضية حق مضيّع، وقضية جسد مقطع.. أما قضية الجسد المقطع فانتهت، ودخل الحسين في جنات الله، وهو سيد الشهداء، وسيد شباب أهل الجنة، ولكن قضية الحق المضيع هي القضية الباقية.
ومن هنا فكل محروم يبحث عن سيده، وكل مستضعف يبحث عن مأوى، وكل مطرود عن البلاد، وكل سجين، وكل معتقل وكل معذب، يبحث عن إمام وقدوة، ليستلهم منه الدروس، ولا يجد أفضل من الإمام الحسين معلما وهاديا ومرشدا. وهنا يكمن السر في حب الناس له، فهم يرون في الإمام مبادئهم وشخصيتهم وكرامتهم وعزتهم) .

فعاشوراء - وفق هذه الرؤية - ضرورة راهنة، لأنها مناسبة تاريخية تدفع المجتمع، بكل أطيافه وطبقاته وشرائحه، إلى التفاعل مع قيم الفداء والتضحية والنبل والوفاء.. وما أحوجنا اليوم إلى تلك القيم، التي تغرس في محيطنا الاجتماعي كل موجبات الانعتاق والتحرر من كل رواسب الجاهلية والتخلف.

وعاشوراء طريقنا لتربية الأجيال وفق قيم الإسلام الخالدة، وسبيلنا إلى تذليل كل العقبات التي تحول دون التفاعل الاجتماعي المطلوب مع تلك القيم والمبادئ.

وملحمة كربلاء تحولت إلى رمز وإنموذج للنهضة الأصيلة، التي جمعت في واقعها وعناصرها وعواملها كل شروط الإسلام، ودروس الرسالات السماوية، عبر التاريخ. (وكربلاء ليست مدرسة للبطولة الثورية فقط، وإنما هي أيضا مدرسة لبطولة الإنسان حينما يخرج من ذاته، من شح نفسه، من حدوده الضيقة، ليملأ الـدنيا شجاعة وبطولة.. كربلاء مدرسة الوفاء، مدرسة التبتل والضراع، مدرسة الحب والتضحية، مـدرسة العلم والتقوى، بالإضافة إلى أنها مـدرسة الجهاد والاستشهاد) .

وبالتالي فإن ملحمة كربلاء تحولت إلى مسيرة عبر التاريخ، واحتفاؤنا بهذه الذكرى الأليمة، وإحياؤنا للشعائر الحسينية، هو في جوهره تعظيم لكل إنسان مسلم يضحي في سبيل دينه وأمته، ولكل مجتمع يقف ضد كل أشكال الزيغ والزيف، وتكريم لكل دم أريق في سبيل الإصلاح والحرية والكرامة. (وبكاؤنا ليس وسيلة للعجز، وحزننا ليس أساسا وأداءً للإنطواء، وإنما هو أمل يفتح لنا الطريق واسعا، ويسد أمامنا أبواب الخزي والتخاذل والغرور والخداع الذاتي. وتجديدنا لذكرى الشهداء ليس طريقا للتعويض بهم عن شهادتنا وعن تضحياتنا.. إن بكاءنا تنديد بالظلم، وعويلنا وصراخنا إنما هو صراخ الضمير الحر والحي النابض في وجدان أمتنا، وصراخ النفس الأبية ضد العبودية والطغيان؛ وبالتالي هو وسيلتنا للتعبير عن سخطنا واعتراضنا المغلف بالحزن والأسى على الفساد المنتشر في أنحاء الأرض. وتكريمنا للشهداء معراجنا إلى ذلك المستوى الأسمى الذي بلغه هؤلاء الأبرار) .

إن مأساة كربلاء انتهت في الساعات الأولى لنهار اليوم الأول من عام(61هـ)، ولكن ابتدأت من ذلك التاريخ مسيرة كربلاء ومدرسة عاشوراء. إنها مسيرة الحسين في شجاعته وتضحيته، مسيرة أبي الفضل العباس في وفائه، مسيرة زينب الكبرى في شجاعتها ومحاربتها للزيف الأموي.. إنها مسيرة الإخلاص التي جسدها بأجلى صورها أنصار الأمام الحسين(ع)، الذين قال عنهم (ألا وأني لا أرى أصحاباً خيراً، ولا أبر و أوفى من أصحابي)..

فعاشوراء نور عبر التاريخ، ينير لنا دروبنا، ويبلور تطلعاتنا، ونبراس مضيء لكل حياتنا. وبفعل التراكم التاريخي، تحولت منابر عاشوراء إلى وسائل للدعوة والتربية والهداية والإرشاد، وتعميق مفاهيم الدين الحنيف في المحيط الاجتماعي، وزيادة منسوب الوعي الديني والحياتي؛ فعاشوراء مدرسة متكاملة تغذي العقل والروح، وتشحذ العاطفة والوجدان، توصل التاريخ بالراهن، وتطهر الضمائر من رواسب الزيغ والتحريف والتبرير، وتبلور للإنسان الموقف والموقع المناسب من معارك الوجود. فحينما ينادي الإمام الحسين(ع) في أرض المعركة (والله لا أعطيكم بيدي إعطاء الذليل ولا أفر فرار العبيد) أو قوله (إن الدعي ابن الدعي قد ركز بين إثنتين، بين السلة والذلة، وهيهات منا الذلة، يأبى الله لنا ذلك ورسوله.. ) وقوله (ألا وإن هؤلاء قد تركوا طاعة الرحمن، وأطاعوا الشيطان، واتخذوا مال الله دولا، وعباده خولا .. ) فإنه صلوات الله وسلامه عليه يسلم نهجا لكل المؤمنين والأحرار؛ بأن الحرية لا توهب أو تعطى، وإنما تؤخذ وتكتسب بالجهاد والتضحية والفداء؛ فلا حرية حقيقية بدون جهاد وتضحية. وعاشوراء الحسين(ع) تعمق هذه العلاقة السببية بين التضحية والحرية، بين الإصلاح والعمل والكسب الإنساني، بين الظاهر والباطن، بين اللسان والقلب، بين القول والفعل؛ فالقيم الإسلامية منظومة متكاملة، تتعاطى مع كل العناصر والدوائر.

ومن عاشوراء نتعلم كيف ننتصر على ذواتنا، ونصل إلى مستوى الصديقين، وكيف نخرج من جمودنا وسباتنا من أجل الحق والحرية، وكيف نتحمل كل المكابدات والصعوبات في سبيل الأهداف المشروعة والمقدسة، وكيف نضحي بأعز ما نملك من أجل تحرير الآخرين من ربقة الذل والعبودية.. إنه مدرسة انتصار الدم على السيف، مدرسة الاستغفار والتوبة والتقرب إلى الله عزل وجل، عبر الصلاة والدعاء وتلاوة الذكر الحكيم وفعل الصالحات. ومن هنا تماهت قيم العزة والكرامة والحرية مع السبط الشهيد.

فالمطلوب أن نكون حسينيين في عزتنا وكرامتنا، عاشوريين في حريتنا وعنفواننا، كربلائيين في تضحياتنا وإقدامنا.

ولهذا فإن الحسين(ع) تحول من فرد إلى قضية ومشروع، ومن شخص إلى منهج يجيب على كل التساؤلات والاستفهامات التي تعترض طريق المصلحين عبر العصور؛ لهذا فإن (الحسين مصباح الهدى وسفينة النجاة). ونجد أن الإمام الحسين(ع) أعلن لأصحابه مساره، وإلى أين يتجه، فلم يضلل أحدا، ولم يمنّى أحدا بجاه أو منصب، وإنما أعلن الخروج على يزيد بن معاوية، لانحرافه واستهتاره بقيم الدين الحنيف.

ففي مكة وقبيل مغادرتها باتجاه الكوفة، قام السبط خطيبا وقال: (الحمد لله وما شاء الله، ولا قوة إلا بالله، وصلى الله على رسوله.. خط الموت على ولد آدم مخط القلادة على جيد الفتاة، وما أولهني إلى أسلافي اشتياق يعقوب إلى يوسف، وخير لي مصرع أنا لاقيه، كأني بأوصالي تقطعها عسلان الفلوات بين النواويس وكربلاء فيملأن مني أكراشا جوفا، وأجربة سغبا، ولا محيص عن يوم خط بالقلم، رضا الله رضانا أهل البيت، نصبر على بلائه ويوفينا أجور الصابرين، لن تشذ عن رسول الله لحمته، بل هي مجموعة له في حضيرة القدس، تقر بهم عينه، وينجز بهم وعده.. ألا ومن كان باذلاً فينا مهجته، موطّنا على لقاء الله نفسه ، فليرحل معنا فإني راحل مصبحا إن شاء الله تعالى)..

فالهجرة من مكة لم تكن هروبا، وإنما هي استجابة لدعوة المسلمين وتحمل للمسؤولية، وحملَُ للأمانة المقدسة؛ فالحسين(ع) باستشهاده، أيقظ ضمائر الناس، وعاشوراء لا زالت تمارس هذا الدور على مر العصور.

فالاحتفاء بعاشوراء، والبكاء على أبي عبد الله وأنصاره الكرام، هو احتفاء بالضمير الحي وبالوعي الديني الذي يقف ضد كل أشكال الخروج من ربقة الدين، وهو احتفاء بذلك الإنسان البطل الذي تخلى عن كل شيء من أجل الدفاع عن دينه ومبادئه المقدسة؛ (ألا ترون إلى الحق لا يعمل به ، وإلى الباطل لا يتناهى عنه، ليرغب المؤمن في لقاء الله محقاً).

فمن عاشوراء يتم استلهام دروس التصدي والتحدي والاستقامة، ومن ذكراه العطرة ومدرسته الجهادية، تتم صناعة الأبطال والمضحين بكل ما يملكون في سبيل دينهم وأمتهم.

فعاشوراء مدرسة للالتزام وتعميق عناصر الإيمان في النفس والسلوك، وهو منبر إعلامي عبر التاريخ لفضح الظالمين، وتعرية المتخاذلين والمستسلمين، وبلورة الموقف الرسالي من أحداث الواقع وتحدياته.

وفي خضم التحديات الكبرى التي تواجه الأمة الإسلامية اليوم، نحن أحوج ما نكون إلى مدرسة عاشوراء وقيمها ومبادئها، لأنها هي التي تبلور لنا معاني العزة والكرامة؛ وذلك لأن الإنسان الذي ينتصر على ذاته، على ما فيها من تردد وازدواجية وعجز، ويتغلب على الرهبة من الحياة، يكتشف ما أودع الله عز وجل في كيانه من كنوز، من العقل والإرادة والضمير النابض .

إن هذا الإنسان هو القادر على تغيير المعادلات، ومواجهة التحديات، واجتراح الإنتصارات والمكاسب. وهكذا تعلمنا مدرسة عاشوراء أننا بإمكاننا أن نتحول من التبرير إلى المسؤولية، ومن الجمود إلى الحركة، ومن الخضوع إلى المقاومة، ومن الانتصار السلبي إلى الفعل الإيجابي، ومن التواكل إلى التوكل، ومن (ليس بالإمكان أفضل مما كان) إلى اجتراح الفرادة والإبداع. وقد قال تبارك وتعالى (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ) (العنكبوت:69).
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
ابجدية الحياة
عضو مبدع
ابجدية الحياة


عدد الرسائل : 174
الموقع : السعودية
تاريخ التسجيل : 04/11/2008

فــــي رحاب ابي عبد اللـــــــه الحسين Empty
مُساهمةموضوع: رد: فــــي رحاب ابي عبد اللـــــــه الحسين   فــــي رحاب ابي عبد اللـــــــه الحسين Icon_minitimeالسبت ديسمبر 27, 2008 3:51 pm

منهاج الإمام الحسين في الإصلاح


حسين الواعظ

الماء، الدم ، مفردتان كلما تصورها الإنسان انتقل ذهنه إلى كربلاء، تلك اللوحة الدامية التي امتزجت فيها الوحشية الأموية بالمنهج الذي طرحه الإمام الحسين (عليه السلام) في الإصلاح. هاتان المفردتان إضافة إلى مفاهيم الحرية والثورة، والثبات على الحق تعطينا صورة واضحة عما جرى في أرض الطفوف قبل ما يزيد على 1300 سنة.

فوجئ المسلمون بنبأ خلافة يزيد بعد معاوية، عندما أرسل معاوية زياد بن أبيه وهو الظالم المتعسف إلى المدينة وعند وصوله خطب الناس: (يا معشر أهل المدينة إن أمير المؤمنين حسُن نظره لكم وإنه جعل لكم مفزعاً تفزعون إليه، يزيد ابنه)(1).

ويزيد بن معاوية معلوم أمره، مشهور سيرته، فاجر مستهزئ، لا يتصل إلا ببطانه السوء من خمارين وعازفين، مع تهاونه واستهزاءه بالمؤمنين، وكان يسكر ويترك الصلاة(2).

وعندما توفي معاوية، أعلن الإمام الحسين (عليه السلام) رفضه ومعارضته لولاية العهد لابنه يزيد، ووضع دستوره ومنهاجه في الثورة، راسماً فيه سبل الصلاح والإصلاح ومحدداً الأسباب التي دعته إلى إعلان ثورته العظيمة، وموضحاً النتائج التي تتمخض عنها إدارة يزيد بن معاوية لشؤون الدولة الإسلامية، مؤكداً فيه على مرجعية المسلمين إلى النبي (صلى الله عليه وآله) وإلى علي بن أبي طالب (عليه السلام) بقوله: أنّي لم اخرج أشراً ولا بطراً ولا مفسداً ولا ظالماً، وإنما خرجت لطلب الإصلاح في امة جدي.

أريدُ أن آمر بالمعروف ، وانه عن المنكر، وأسير بسيرة جدي وأبي علي بن أبي طالب فمن قبلني بقبول الحق فالله أولى بالحق ومن ردَّ عليَّ هذا، اصبر حتى يقضي الله بيني وبين القوم الظالمين وهو خير الحاكمين(3).

أن بنود هذا المنهج الحسيني هي بمثابة المشعل الذي لازال ضوءه ينير الطريق أمام المؤمنين والمطرقة التي تقض مضاجع المستكبرين والمستبدين والظالمين إلى قيام يوم الدين.

وتطبيقاً لبنود منهجه (عليه السلام) هاجر الحسين من المدينة المنورة في العشر الأواخر من شهر رجب 60هـ واتجه شطر البيت الحرام قبلة المسلمين ومنزل الوحي، وتحدّث الناس بهذا النبأ العظيم، وكثرة الآراء والتكهنات، وأحاط الخوف بأعدائه، ولا يدرون ماذا يكون بعد إعلان المنهج الحسيني والهجرة المباركة من المدينة إلى مكة.

وبقي الحسين (عليه السلام) في مكة إلى أيام الحج، وعندما أحس بأن الأمويين يدبرون لاغتياله في مكة أعلن السفر وقرر الخروج من مكة يوم التروية حفاظاً على حرمة الحرم وقدسيته وتوجه إلى العراق.

ولما نزل الثعلبية بلغه نبأ الفاجعة بقتل مسلم بن عقيل وهاني بن عروة فتلقى ذلك بصبر وأعلن المضي في أداء الرسالة، وصمم على مواصلة مسيرته.

وفي عشية اليوم الثاني من المحرم 61هـ نزل (عليه السلام) ارض كربلاء في محل بعيد عن الماء، فضرب هناك خيامه واستمر الإمام الحسين يعلن منهجه ويوضح بنوده إلى أعدائه، من خلال الاجتماعات التي عقدت قبل إعلان الحرب. فقد جاء ابن سعد ومعه نحو عشرين فارساً من أصحابه, واجتمع مع الحسين ما بين المعسكرين مخاطباً له (عليه السلام): يا ابن سعد أتقاتلني؟ أما تتقي الله الذي إليه معادك؟ فأنا أبن من علمت إلا تكون معي وتدع هؤلاء فأنه أقرب إلى الله تعالى.

وبعد إعلان الحرب حرص الإمام الحسين سيد الشهداء على إعلان بنود منهجه على الذين يريدون قتله وكان يعظهم في ساحات القتال ومن قوله (عليه السلام): أيها الناس اسمعوا قولي ولا تعجلوا بي حتى أعظكم بما يجب لكم عليّ، وحتى اعتذر إليكم من مقدمي عليكم، فأن قبلتم عذري، وصدقتم قولي، وأنصفتموني، كنتم بذلك اسعد، ولم يكن لكـم عليّ سبيل(4).
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
فــــي رحاب ابي عبد اللـــــــه الحسين
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
 :: المنتدى الاسلامي :: منتدى اهل البيت عليهم السلام-
انتقل الى: